آخر الأخبار

الأحد، 8 نوفمبر 2015

"الإستعمار الفرنسي والإستعمار الطرقي الصوفي" العلامة محمد البشير الإبراهيمي رحمه الله


فهذه كلمة لفضيلة الشيخ العلامة محمد البشير الابراهيمي رحمه الله-الرئيس الثاني لجمعية العلماء المسلميين الجزائريين عليه رحمة الله-ذكرها في ترجمته الذاتية "خلاصة تاريخ حياتي العلمية" التي طلبها منه مجمع اللغة العربية بالقاهرة عندما انتخب عاملا فيه سنة 1961 ميلاديةوهي موجودة ضمن مجموعة من المقالات جمعها المؤرخ الجزائري أبو القاسم سعد الله في جزء أسماه "في قلب المعركة"
قال-رحمه الله-: "...كان من نتائج الدراسات المتكررة للمجتمع الجزائري بيني وبين[عبد الحميد] ابن باديس (1) منذا اجتماعنا في المدينة المنورة أن البلاء المنصب على هذا الشعب المسكين آت من جهتين متعاونيين وبعبارة أوصح من استعماريين مشتركيين يمتصان دمه ويتعرقان لحمه ويفسدان عليه دينه ودنياه:

[الأول] (2) استعمار مادي هو الاستعمار الفرنسي (3) يعتمد على الحديد والنار

[الثاني] استعمار روحي يمثله مشائخ الطرق (4) المؤثرون في الشعب والمتغلغلون في جميع أوساطه المتاجورن باسم الدين المتعاونون مع الاستعمار عن رضى وطواعية وقد طال أمد هذا الاستعمار الأخير وثقلت وطأته عل الشعب حتى أصبح يتألم ولا يبوح بالشكوى أو الانتقاد خوفا من الله بزعمه والاستعماران متعاضدان يؤيد أحدهما الآخر بكل قوته ومظهرهما معا تجهيل الأمة لئلا تفيق بالعلم فتسعى في الانفلات وتفقيرها لئلا تستعين بالمال على الثورة

فكان من سداد الرأي واحكام التدبير بيني وبين [عبد الحميد] ابن باديس أن تبدأ الجمعية بمحاربة هذا الاستعمار الثاني لأنه أهون وكذلك فعلنا ووجد المجلس الاداري نظاما محكما فاتبعه لذلك كانت أعمال الجمعية متشبعة وكان الطريق أمام المجلس الاداري شاقا ولكنه يرجع الى الأصول الآتية:

1-تنظيم حملة جارفة على البدع والخرافات والضلال في الدين بواسطة الخطب والمحاضرات ودروس الوعظ والارساد في المساجد والأندية والأماكن العامة والخاصة حتى في الأسواق والمقالات في جرائدنا الخاصة التي أنشأناها لخدمة الفكرة الاصلاحية. (5)

2-الشروع العاجل في التعليم العربي للصغار في ما تصل اليه ايدينا من الاماكن وفي بيوت الآباء ربحا للوقت قبل بناء المدارس. 

3-تجنيد المئات من تلامذتنا المتخرجيين ودعوة الشباب المتخرجين من جامع الزيتونة للعمل في تعليم أبناء الشعب.

4-العمل على تعميم التعليم العربي للشبان على النمط الذي بدأ به [عبد الحميد] ابن باديس.

5- مطالبة الحكومة برفع يدها على مساجدنا ومعاهدنا التي استولت عليها لنستخدمها في تعليم الأمة دينها وتعليم أبنائها لغتهم.

6-مطالبة الحكومة بتسليم أوقاف الاسلام التي احتجزتها ووزعتها على المعمريها لتصرف في مصارفها التي وقفت عليها (وكانت من الكثرة بحيث تساوي ميزانية دولة متوسطة)

7-مطالبة الحكومة بالاستقلال القضاء الاسلامي في الأحوال الشخصية مبدئيا.

8- مطالبة الحكومة بعدم تدخلها في تعيين الموظفيين الاسلاميين.


هذه معظم الأمهات التي تدخل في صميم أعمال الجمعية منها ما بدأناه بالفعل ولاقينا فيه الأذى فصبرنا حتى كانت العاقبة لنا ومنها ما طالبنا به حتى أقمنا حق الامة فيه وفضحنا الاستعمار شر فضيحة ومجموع هذه المطالب في ظاهرها دينية ولكنها في معناها وفي نظر الاستعمار هي نصف الاستقلال..."


____________________________


(1) هو فضيلة الشيخ العلامة عبد الحميد ابن باديس القسنطيني {م1883/1940م}مؤسس النهضة العلمية الجزائرية والرئيس الأول لجمعية العلماء المسلمين الجزائريين من آثاره**"مبادئ الأصول" وقد شرحه فضيلة الشيخ الدكتور محمد على فركوس –حفظه الله- كما لفضيلة الشيخ أيضا تعليقات على بعض مقالالته (تجدها في موقعه)** "العقائد الاسلامية} يرويها عنه كل من الأستاذ محمد الصالح رمضان وقدم لها الشيخ الابراهيمي ويرويها عنه الأستاذ محمد حسن فضلاء مفتش التعليم الابتدائي والمتوسط (سابقا)**رسالة جواب سؤال عن سوء مقال حققها الشيخ أبو عبد الرحمن محمود لقدر الجزائري وقدم لها تلميذ ابن باديس الأستاذ محمد صالح رمضان كما جمعت أثاره رحمه الله

(2) مابين معكوفين ليست من كلام الشيخ رحمه الله

(3) دام استدمار الطاغوت الفرنسي 132سنة (1830م/1962م)


(4) قال العلامة محمد البيشر الابراهيمي-رحمه الله-في ثنايا رده على الطرقين:((ونحن من طريق التاريخ لا من طريق الشهرة العامة أن بعض أصحاب هذه الأسماء الدائرة في عالم التصوف والطرق{أمثال الجنيد، القشيري،المحاسبي} كانوا على استقامة شرعية وعمل بالسنة ووقوف عند حدود الله فهم صالحون بالمعنى الشرعي،ولكن الصلاح لم يأتيهم من التصوف أو الطرق وانما هو نتيجة التدين،وفي مثل هؤولاء الصالحين الشرعيين اتما نختلف في الأسماء،فنحن نسميهم صالحي المؤمنين وهم يسمونهم صوفية وأصحاب طرق،فيا ويلهم ان طريقة الاسلام واحد فما حاجة المسلسين الى طرق كثيرة،ماهذا التصوف الذي لا عهد للإسلام الفطري النقي به،اننا لانقره مظهرا من مظاهر الدين أو مرتبة عليا من مراتبه،ولا نعرف من أسماء هذه المراتب الا ما في القاموس الديني:النبوة والصدقية والصحبة والاتباع ثم التقوى التى يتفاضل بها المؤمنون ثم الولاية التي هي أثر التقوى،وان كنا نقر فلسفته الروحانية جاءتنا من غير الدين ونرغمها على الخضوع للتحليل الديني.
وهل ذاقت بنا الألفاظ الدنية ذات المفهوم الواضح والدقة العجيبة في تحديد المعاني حتى نستعير من جرامقة اليونان أو جرامقة الفرس هذه اللفظة المبهمة الغامضة التي يتسع معناها لكل خيرا وشر.
ويمينا لو كان للمسلمين يوم إتسعت الفتوحات وتكونت(المعامل) الفكرية ببغداد ديوان تفتيش في العواصم ودروب الروم ومنافذ العراق العجمي لكانت هذه الكلمة من المواد الأولية المحرمة الدخول...فقد أصبحت هذه الكلمة التي غفلوا عنها أُمًا ولودًا تلد البر والفاجر ثم تمادى بها الزمن فأصبة قلعة محصنة تؤوي كل فاسق وكل زنديق وكل ممخرق وكل داعر وكل ساحر وكل لص وكل أفاك أثيم،وأنظر طبقات الشعراني الكبرى وما طبع على غرارها من الكتب تجد أصاناف المُحتَمين بهذه القلعة-وهم ببركة حمايتها-طلقاء من قيود الشريعة.
وان هذه القلعة لهي المعقل الأسمى والملا الأحمى لأصحابنا اليوم فكل راقص صوفي،وكل ضارب بالطبل صوفي وكل عابث بأحكام الله صوفي، وكل أكل للدنيا بالدين صوفي، وكل ملحد في أيات الله صوفي،وهلو سحبًا...)) سجل مؤتمر الجمعية (ص30/31).


(5) كالشهاب/السنة/ المنتقد/ الصراط....
اقرأ المزيد ...

الأربعاء، 4 نوفمبر 2015

بعض المنكرات المتفشية في المساجد والمجتمعات العلامة ربيع بن هادي المدخلي حفظه الله


بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام  على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن اتبع هداه.
أما بعد:
فإنَّ الله سبحانه وتعالى قد أمر المؤمنين بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، فقال سبحانه: (وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ).
وأثنى على أمة محمد –صلى الله عليه وسلم- ثناءً عاطراً، وميّزها بقوله: (كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ).
فهي تستحق هذا الثناء إن قامت بهذا الواجب، فإذا أهملته يخشى عليها أن ينطبق عليها ما قاله  الله في اليهود: (كَانُوا لَا يَتَنَاهَوْنَ عَنْ مُنْكَرٍ فَعَلُوهُ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَفْعَلُونَ).
وقال رسول الله –صلى الله عليه وسلم-: "من رأى منكم منكرا فليغيره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه، وذلك أضعف الإيمان".
وفي رواية: "وليس وراء ذلك من الإيمان حبة خردل".
 أخرجه الإمام مسلم في "الإيمان" حديث (49)، كما أخرجه الإمام أحمد والنسائي والترمذي.
وعن حذيفة –رضي الله عنه- عن النبي –صلى الله عليه وسلم- قال: "وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَتَأْمُرُنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَلَتَنْهَوُنَّ عَنْ الْمُنْكَرِ أَوْ لَيُوشِكَنَّ اللَّهُ أَنْ يَبْعَثَ عَلَيْكُمْ عِقَابًا مِنْ عِنْدِهِ ثُمَّ لَتَدْعُنَّهُ فَلَا يَسْتَجِيبُ لَكُمْ".
أخرجه الإمام أحمد في "مسنده" (5/ 388)، والترمذي في "سننه" حديث (2169) وحسّنه.
وحسّنه الألباني في تخريج "المشكاة" حديث (5104).
وعن قيس بن أبي حازم قال: قَامَ أَبُو بَكْرٍ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- فَحَمِدَ اللَّهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ ثُمَّ قَالَ: يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّكُمْ تقرؤون هَذِهِ الْآيَةَ: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ لَا يَضُرُّكُمْ مَنْ ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ )، وَإِنَّا سَمِعْنَا رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَقُولُ: إِنَّ النَّاسَ إِذَا رَأَوْا الْمُنْكَرَ فَلَمْ يُنْكِرُوهُ أَوْشَكَ أَنْ يَعُمَّهُمْ اللَّهُ بِعِقَابِهِ".
أخرجه الإمام أحمد في "مسنده" (1/5)، وأبو داود في "سننه" باب الأمر والنهي" حديث (4338)، والترمذي في "باب ما جاء في نزول العذاب إذا لم يغير المنكر"، حديث (2168)، وابن ماجه في باب "الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر" حديث (4005)، وهو حديث صحيح، وقد روي من طرق كثيرة.
والآيات والأحاديث في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر كثيرة.
فهذه الأوامر الإلهية والنبوية توجب على العلماء وهيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وأئمة المساجد النهوض بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ليكسبوا رضا الله وغفرانه ولينجوا من سخطه وعقابه.
 فمن المؤسف جداً أن هناك ظاهرتين خطيرتين في المجتمعات الإسلامية.
أولاهما : التشبه بالكفار من اليهود والنصارى وغيرهم في اللباس، ومن ذلك لباس البنطلونات ولا سيما الضيقة، وحلق اللحى، وكشف الرؤوس، ويزيد كثير منهم لباس البرنيطات (القبّعات) وقد قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: " من تشبه بقوم فهو منهم "، رواه الإمام أحمد في عدة مواضع من مسنده، وابن أبي شيبة في المصنف والبيهقي .
وثانيتهما: إسبال الثياب في الصلاة، ومنها البنطلونات، وهي ظاهرة مؤلمة ورد الوعيد الشديد من رسول الله –صلى الله عليه وسلم- لفاعلي هذا الإسبال المنكر، لا سيما إذا أضيف إليه التشبه بالكفار .
فأسوق هنا عدة أحاديث عن عدد من الصحابة الكرام عن رسول الله –صلى الله عليه وسلم-.
الأول- عن أبي ذر –رضي الله عنه- عن النبي –صلى الله عليه وسلم- قال: " ثلاثة لا يكلمهم الله يوم القيامة، ولا ينظر إليهم، ولا يزكيهم، ولهم عذاب أليم، قال: فقرأها رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ثلاث مرار، قال أبو ذر: خابوا وخسروا من هم يا رسول الله؟ قال: المسبل والمنان والمنفق سلعته بالحلف الكاذب".
 رواه الإمام مسلم في "صحيحه" رقم (106)، والإمام أحمد في "مسنده" (5/148).
الثاني- عن ابن عباس –رضي الله عنهما- قال: قال رسول الله –صلى الله عليه وسلم-: إن الله لا ينظر إلى مسبل".
 رواه الإمام أحمد في "مسنده" (1/322) قال: حدثنا أبو النضر وحسين قالا: حدثنا شيبان عن أشعث حدثني سعيد بن جبير عن ابن عباس به. وهذا إسناد صحيح.
وأخرجه ابن أبي شيبة والنسائي في الكبرى من طريق شيبان به.
الثالث- عن أبي هريرة –رضي الله عنه- رواه الإمام أحمد في "مسنده" (2/318).
عن عبد الرزاق بن همام ثنا معمر عن همام عن أبي هريرة قال: قال رسول الله –صلى الله عليه وسلم-: "إن الله لا ينظر إلى المسبل يوم القيامة".
 وهذا إسناد صحيح على شرط الشيخين.
 وروى عنه النسائي في "الكبرى" بإسناد صحيح إلى النبي –صلى الله عليه وسلم- قال: "ما أسفل من الكعبين من الإزار ففي النار".
الرابع- عن المغيرة بن شعبة –رضي الله عنه- قال: رَأَيْتُ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَخَذَ بِحُجْزَةِ سُفْيَانَ بْنِ أَبِي سَهْلٍ وَهُوَ يَقُولُ: يَا سُفْيَانُ بْنَ أَبِي سَهْلٍ لَا تُسْبِلْ إِزَارَكَ فَإِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُسْبِلِينَ". "مسند أحمد" (4/246).
في إسناده شريك فيه كلام، لكن روايته هنا عن عبد الملك بن عمير كوفي، ورواية شريك عن الكوفيين أصح من رواية الإمام سفيان الثوري .
فالحديث صحيح، لا سيما وله شواهد كثيرة، وكلها تدل على تحريم الإسبال وشدة الوعيد لفاعله.
الخامس- عن الشريد بن سويد –رضي الله عنه- أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَبِعَ رَجُلًا مِنْ ثَقِيفٍ، حَتَّى هَرْوَلَ فِي أَثَرِهِ، حَتَّى أَخَذَ ثَوْبَهُ، فَقَالَ: " ارْفَعْ إِزَارَكَ ". قَالَ: فَكَشَفَ الرَّجُلُ عَنْ رُكْبَتَيْهِ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ، إِنِّي أَحْنَفُ، وَتَصْطَكُّ رُكْبَتَايَ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " كُلُّ خَلْقِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ حَسَنٌ " قَالَ: وَلَمْ يُرَ ذَلِكَ الرَّجُلُ إِلَّا وَإِزَارُهُ إِلَى أَنْصَافِ سَاقَيْهِ حَتَّى مَاتَ. "مسند أحمد" (4/390).
السادس- قال أبود داود في "سننه" (4/344) رقم (4084) "باب ما جاء في إسبال الإزار":
"حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ، حَدَّثَنَا يَحْيَى، عَنْ أَبِي غِفَارٍ، حَدَّثَنَا أَبُو تَمِيمَةَ الْهُجَيْمِيُّ - وَأَبُو تَمِيمَةَ اسْمُهُ طَرِيفُ بْنُ مُجَالِدٍ - عَنْ أَبِي جُرَيٍّ جَابِرِ بْنِ سُلَيْمٍ، قَالَ: رَأَيْتُ رَجُلًا يَصْدُرُ النَّاسُ عَنْ رَأْيِهِ، لَا يَقُولُ شَيْئًا إِلَّا صَدَرُوا عَنْهُ، قُلْتُ: مَنْ هَذَا؟ قَالُوا: هَذَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قُلْتُ: عَلَيْكَ السَّلَامُ يَا رَسُولَ اللَّهِ، مَرَّتَيْنِ، قَالَ: " لَا تَقُلْ: عَلَيْكَ السَّلَامُ، فَإِنَّ عَلَيْكَ السَّلَامُ تَحِيَّةُ الْمَيِّتِ، قُلْ: السَّلَامُ عَلَيْكَ " قَالَ: قُلْتُ: أَنْتَ رَسُولُ اللَّهِ؟ قَالَ: «أَنَا رَسُولُ اللَّهِ الَّذِي إِذَا أَصَابَكَ ضُرٌّ فَدَعَوْتَهُ كَشَفَهُ عَنْكَ، وَإِنْ أَصَابَكَ عَامُ سَنَةٍ فَدَعَوْتَهُ، أَنْبَتَهَا لَكَ، وَإِذَا كُنْتَ بِأَرْضٍ قَفْرَاءَ - أَوْ فَلَاةٍ - فَضَلَّتْ رَاحِلَتُكَ فَدَعَوْتَهُ، رَدَّهَا عَلَيْكَ»، قَالَ: قُلْتُ: اعْهَدْ إِلَيَّ، قَالَ: «لَا تَسُبَّنَّ أَحَدًا» قَالَ: فَمَا سَبَبْتُ بَعْدَهُ حُرًّا، وَلَا عَبْدًا، وَلَا بَعِيرًا، وَلَا شَاةً، قَالَ: «وَلَا تَحْقِرَنَّ شَيْئًا مِنَ الْمَعْرُوفِ، وَأَنْ تُكَلِّمَ أَخَاكَ وَأَنْتَ مُنْبَسِطٌ إِلَيْهِ وَجْهُكَ إِنَّ ذَلِكَ مِنَ الْمَعْرُوفِ، وَارْفَعْ إِزَارَكَ إِلَى نِصْفِ السَّاقِ، فَإِنْ أَبَيْتَ فَإِلَى الْكَعْبَيْنِ، وَإِيَّاكَ وَإِسْبَالَ الْإِزَارِ، فَإِنَّهَا مِنَ المَخِيلَةِ، وَإِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمَخِيلَةَ، وَإِنِ امْرُؤٌ شَتَمَكَ وَعَيَّرَكَ بِمَا يَعْلَمُ فِيكَ، فَلَا تُعَيِّرْهُ بِمَا تَعْلَمُ فِيهِ، فَإِنَّمَا وَبَالُ ذَلِكَ عَلَيْهِ».
وأخرجه الإمام أحمد في "مسنده" مرات، من رقم (20632) – (20636).
أورد الألباني  جزءاً منه في "الصحيحة" برقم (1352) ومن هذا الجزء قوله –صلى الله عليه وسلم-: "وإياك وتسبيل الإزار فإنه من الخيلاء والخيلاء لا يحبها الله -عزَّ وجلَّ-".

السابع- عن عبد الله بن عُمَرَ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «لاَ يَنْظُرُ اللَّهُ إِلَى مَنْ جَرَّ ثَوْبَهُ خُيَلاَءَ».
ومن طريق أخرى: "مَنْ جَرَّ ثَوْبَهُ خُيَلاَءَ لَمْ يَنْظُرِ اللَّهُ إِلَيْهِ يَوْمَ القِيَامَةِ» قَالَ أَبُو بَكْرٍ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّ أَحَدَ شِقَّيْ إِزَارِي يَسْتَرْخِي، إِلَّا أَنْ أَتَعَاهَدَ ذَلِكَ مِنْهُ؟ فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَسْتَ مِمَّنْ يَصْنَعُهُ خُيَلاَءَ».
أخرجه البخاري في "اللباس" حديث (5783، 5784).
ولقد أطال الحافظ ابن حجر النفس في التعليق على هذا الحديث، ومنه قوله في "فتح الباري" (10/264):
"ويتجه المنع أيضا في الإسبال من جهة أخرى، وهي كونه مظنة الخيلاء.
 قال ابن العربي: لا يجوز للرجل أن يجاوز بثوبه كعبه، ويقول: لا أجرُّه خيلاء؛ لأن النهي قد تناوله لفظاً، ولا يجوز لمن تناوله اللفظ حكما أن يقول لا أمتثله لأن تلك العلة ليست فيَّ، فإنها دعوى غير مسلمة، بل إطالته ذيله دالة على تكبره، اه ملخصا.
وحاصله أن الإسبال يستلزم جر الثوب، وجر الثوب يستلزم الخيلاء، ولو لم يقصد اللابس الخيلاء، ويؤيده ما أخرجه أحمد بن منيع من وجه آخر عن ابن عمر في أثناء حديث رفعه "وإياك وجر الإزار فإن جر الإزار من المخيلة"، وأخرج الطبراني من حديث أبي أمامة "بينما نحن مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إذ لحقنا عمرو بن زرارة الأنصاري في حلة إزار ورداء قد أسبل، فجعل رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يأخذ بناحية ثوبه ويتواضع لله ويقول: "عبدك وابن عبدك وأمتك" حتى سمعها عمرو فقال: "يا رسول الله إني حمش الساقين" فقال: "يا عمرو إن الله قد أحسن كل شيء خلقه، يا عمرو إن الله لا يحب المسبل" الحديث. وأخرجه أحمد من حديث عمرو نفسه لكن قال في روايته: "عن عمرو بن فلان" وأخرجه الطبراني أيضا فقال: "عن عمرو بن زرارة" وفيه: "وضرب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بأربع أصابع تحت ركبة عمرو، فقال: يا عمرو هذا موضع الإزار، ثم ضرب بأربع أصابع تحت الأربع فقال: يا عمرو هذا موضع الإزار" الحديث ورجاله ثقات، وظاهره أن عمرا المذكور لم يقصد بإسباله الخيلاء، وقد منعه من ذلك لكونه مظنة".
هذا الحديث في مسند الإمام أحمد (4/200)، وهو صحيح.
وسئل العلامة ابن عثيمين –رحمه الله- السؤال الآتي:
"ما عقوبة الإسبال إذا قصد به الخيلاء؟ وما عقوبته إذا لم يقصد به الخيلاء؟ وكيف يجاب من احتج بأبي بكر رضي الله عنه؟
فأجاب –رحمه الله-: إسبال الإزار إذا قصد به الخيلاء فعقوبته أن لا ينظر الله تعالى إليه يوم القيامة، ولا يكلمه، ولا يزكيه، وله عذاب أليم.
وأما إذا لم يقصد به الخيلاء فعقوبته أن يعذب ما نزل من الكعبين بالنار، لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "ثلاثة لا يكلمهم الله يوم القيامة، ولا ينظر إليهم، ولا يزكيهم ولهم عذاب أليم: المسبل، والمنان، والمنفق سلعته بالحلف الكاذب"، وقال صلى الله عليه وسلم: "من جر ثوبه خيلاء لم ينظر الله إليه يوم القيامة"، فهذا فيمن جر ثوبه خيلاء.
وأما من لم يقصد الخيلاء ففي صحيح البخاري عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "ما أسفل من الكعبين من الإزار ففي النار"، ولم يقيد ذلك بالخيلاء، ولا يصح أن يقيد بها بناء على الحديث الذي قبله، لأن أبا سعيد الخدري رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أزره المؤمن إلى نصف الساق ولا حرج"، أو قال: "لا جناح عليه فما بينه وبين الكعبين، وما كان أسفل من ذلك فهو في النار، ومن جر بطراً لم ينظر الله إليه يوم القيامة" (رواه مالك، وأبو داود، والنسائي، وابن ماجة، وابن حيان في صحيحه ذكره في كتاب الترغيب والترهيب في الترغيب في القميص ص 88 ج 3).
ولأن العملين مختلفان، والعقوبتين مختلفتان، ومتى اختلف الحكم والسبب امتنع حمل المطلق على المقيد، لما يلزم على ذلك من التناقض.

وأما من احتج علينا بحديث أبي بكر رضي الله عنه: فنقول له ليس لك حجة فيه من وجهين:
- الوجه الأول: أن أبا بكر رضي الله عنه قال: "إن أحد شقي ثوبي يسترخي إلا أن أتعاهد ذلك منه..."، فهو رضي الله عنه لم يرخ ثوبه اختياراً منه، بل كان ذلك يسترخي، ومع ذلك فهو يتعاهده، والذين يسبلون ويزعمون أنهم لم يقصدوا الخيلاء يرخون ثيابهم عن قصد، فنقول لهم: إن قصدتم إنزال ثيابكم إلى أسفل من الكعبين بدون قصد الخيلاء عذبتم على ما نزل فقط بالنار، وإن جررتم ثيابكم خيلاء عذبتم بما هو أعظم من ذلكم، لا يكلمكم الله يوم القيامة، ولا ينظر إليكم، ولا يزكيكم، ولكم عذاب أليم.
- الوجه الثاني: أن أبا بكر رضي الله عنه زكّاه النبي صلى الله عليه وسلم وشهد له أنه ليس ممن يصنع خيلاء، فهل نال أحد من هؤلاء تلك التزكية والشهادة؟ ولكن الشيطان يفتح لبعض الناس اتباع المتشابه من نصوص الكتاب والسنة ليبرر لهم ما كانوا يعملون، والله يهدي من يشاء إلى صراط مستقيم، نسأل الله لنا الهداية والعافية" ا.هـ.
أسأل الله أن يوفقنا والمسلمين جميعاً للتمسك بالكتاب والسنة؛ في عقائدنا ومناهجنا وأعمالنا وجميع شؤوننا، وأن يوفقنا للعمل بهذه الأحاديث التي تتضمن الوعيد بالنار، وعدم رضى الله عن من يخالفها وبغضه لمن يخالفها.
ونسأله تعالى أن يوفق الواقعين في هاتين المخالفتين الخطيرتين إلى التوبة النصوح، وأن يتقبل منهم هذه التوبة، إن ربنا لسميع الدعاء.
                                                                كتبه: ربيع بن هادي عمير
                                                                        4/1/1437هـ


اقرأ المزيد ...
تعريب وتطوير ( كن مدون ) Designed By